بحث هذه المدونة الإلكترونية

شريط جديد المدونة

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

لا تستصغر نفسك

الكاتب :
معظمنا تبهره العناوين الكبيرة، تخلب لبه العبارات الرنانة، يميل إلى أن يستمع إلى من يؤكد له أنه قادر على تحريك الجبال، والوصول إلى القمر، وتغيير الكون .

لو اهتم كل منا بالجزء الصغير الذي يحتله من هذا الوطن لصار وطننا هذا فتنة الدنيا وهذا ربما يكون شيئاً حسناً، إذا ما أشعل الهمة وأوقد نار الحماسة وألهب الطموح؛ لكنه في المقابل قد يكون وبالاً على المرء منا إذا ما كان مدعاة للإحباط، ومدخلاً من مداخل الشيطان يسرق بها العمر، ويخطف من خلالها أوقاتنا.



فمما تؤكده التجارب أن الهبات والطفرات ليست هي أصل الإنجازات؛ وإنما الإنجاز الحقيقي هو الذي يتحقق بالأعمال الإيجابية المتواصلة والمتراكمة.

عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم رسالته، بدأها بدأب وصبر شديد مع بضعة أشخاص بسطاء، في دار صغيرة كانت هي البداية، وطوال ثلاثة عشر عاماً -هي عمر الدعوة المكية- ظل النبي يدعو ويبني ويقيم فقط اللبنة الأولى المتينة لهذا الدين، وعندما جاءه يوماً أحد أصحابه وهو الخبّاب بن الأرت، يشكو من تأخر النصر، عاتبه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه يجب أن نصبر كما صبر أصحاب الدعوات السابقة، ثم حذره من فخ السقوط والفشل بقوله: "ولكنكم تستعجلون"!

ولم يغب هذا الأمر عن جيراننا أبناء صهيون؛ حيث عبّر بن جوريون -مؤسس دولة إسرائيل- عن طريقته لإقامة الدولة قائلاً: "إن إسرائيل لن تقوم بناء على قرار تُصدره المنظمة الصهيونية العالمية؛ ولكننا سنبنيها لبنة لبنة، سنضم البقرة إلى البقرة والمزرعة إلى المزرعة والمصنع إلى المصنع والجامعة إلى الجامعة، وبذلك وحده يصبح لنا دولة بما تعنيه الكلمة" ومع الأسف فقد كان.

وعلى صعيد الأفراد والأمم، يجب على المرء منا أن يعي هذا الأمر، أن عليه أن يبدأ بالنظر إلى الصورة الكبيرة البراقة، ثم يولي جهده بعد ذلك للتفاصيل الصغيرة التي تمكّنه من إنجاز ما يجب إنجازه.

أن يضع اللبنات بعضها فوق بعض، أن يهتمّ بالمهمة التي خلقه الله لها، بالثغرة التي يقف عليها، ويوليها جهده وتركيزه، ولا ينصرف عنها إلى التطلع بعيداً، وبهذا وحده تكتمل الصورة..

ومما يُروى أن الكاتب الروسي أنطوان تشيكوف في أخريات حياته، كان قد اتخذ لنفسه بيتاً بسيطاً، وأمضى بعض وقته في تجميله وتنميقه، وإضفاء لمسات فنية جميلة على كل ركن وزاوية فيه.

وزاره ذات يوم أحد النقاد؛ فأبدى إعجابه وانبهاره بهذا المنزل الرائع الفريد؛ فتعجب الكاتب العجوز لتعجب الناقد، وتأمل انبهاره بالبيت الصغير، ثم قال له، وابتسامة الحكمة ترتسم على شفتيه: لو أن كل إنسان اهتمّ بتجميل الرقعة الصغيرة التي يحتلها من العالم.. لغدا كوكبنا هذا فتنة للأنظار!

وعليه يمكننا القول، أن كل امرئ منا لو اهتم بالجزء الصغير الذي يحتله من هذا الوطن؛ لصار وطننا هذا فتنة الدنيا، وخالب لبها.

لصار هذا الوطن المنهك فتياً قوياً قادراً على إلهام العالم، باعثاً لروح جديدة، ملؤها الأمل والتفاؤل والعطاء.

مصر تحتاج إلى أن يهتم كل منا بالشبر الذي يملكه في بيته وعمله وحياته.. أن نُخلص العمل، ونصدق القول وننظف النوايا، ونغسل اللسان مما يصيبه من لغة التشاؤم والإحباط والتثبيط..

مصر لا تحتاج منا أن نذهل عن أعمالنا الصغيرة بالعناوين الكبيرة؛ بل تحتاج إلى العطاء الدائم، والإخلاص الدائم، والحب الدائم.

ولا يجب أن تستصغر نفسك يا صاحبي؛ فما يمكنك فعله، قد يفوق ما يقدمه أصحاب رابطات العنق الأنيقة في برامج التوك شو!

آمن بنفسك وبقدرتك، وبالقليل الذي تقدمه وتفعله.. وثِق بأن الله لا يضيع -أبداً- أجر من أحسن عمله وأخلصه لوجهه.
وعاشت مصر عظيمة.. بك يا صاحبي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

* اثبت وجودك ...... شاركنا التعليق ........ تنموا المعلومة وينتفع الجميع .
* ارجوا من السادة المشاركين عدم وضع رد به روابط اعلانية خارجية .
* انتبه الى الفاظك واعلم ان عليك رقيب .

تحياتى م. على حسين الفار

اخر الكتب المضافة

افضل المواضيع