نبدأ معكم أول أجزاء هذه السلسلة التي تتناول مفهوم الوقت وحسن استغلاله والتفاعل معه، واستثماره بأقصى طاقة ممكنة، وكيفية إيقاف استنزاف الوقت وإهداره جراء سوء تعاملنا معه أو تعاملنا مع الآخرين.
لن نتحدث بطريقة فلسفية عن الوقت، ولن نعيد الأسطوانات المحفوظة من الأقوال المأثورة والأشعار والحِكم عن الوقت وقيمته؛ فالكل يعلمها ويحفظها عن ظهر قلب؛ لكن الكثير لا يستطيعون مع ذلك استثمار هذا الوقت وإيقاف نزيفه.. والسبب الرئيسي في ذلك أننا نتعامل مع الوقت كفكرة وليس كمادة ملموسة يمكن الإحساس بها بشكل مباشر..
وأعتقد أن بداية الحل هي أن نعيد إنتاج فكرتنا عن الوقت؛ فنشعر أنه شيء غالٍ ذو قيمة، ويمكن ترجمته بطرق مختلفة إلى شيء عملي أو مادي؛ فقيمة الوقت الذي نمكثه في عملنا هو ما نأخذ عليه أجرًا، وقيمة ما يقضيه أحد الأشخاص معنا (طبيب أو معلم أو محامٍ) -بالإضافة إلى أشياء أخرى- يتم ترجمته إلى مادة، ومدة ما نقضيه في مكان ما كالفنادق والمنتزهات وغيرها يتم ترجمتها إلى نفقات نشعر بها ونبذلها ملموسة نقودًا ومجهودًا.. ولذلك فإن النظر إلى الوقت من هذا المنظور الجديد قد يغير في طريقة حرصنا عليه وتفاعلنا معه، وسنبدأ في البحث عن طرق لتقليل الإهدار الذي يسببه انعدام الكفاءة أو سوء الاختيار أو التخطيط، وكيف نَهَبُ أوقاتنا باختيارنا وليس ونحن مجبرون، وكيف نمنع الآخرين أن يسلبونا إياه كما نحمي نقودنا ومدخراتنا.
وحتى نبدأ في طريقة عملية للتعامل مع الوقت واستثماره على أفضل وجه؛ علينا اتباع الآتي:
أولاً: التخطيط وتحديد الأولويات
كل شيء كي ينجح ويأخذ طريقًا صحيحًا يجب أن يتم في خطة عمل حتى ولو بسيطة، وعلى المرء قبل أن يضع خطة عمله في أي شيء أن يراعي أولوياته؛ ويبدأ بالحد الأدنى لساعات نومه والحد الأدنى لعلاقاته الإنسانية الأسرية إن كان متزوجًا، والخاصة به كي يستعيد نشاطه مجددًا.
وبعد مراعاة هذه الأولويات، يجب أن تقسم أهدافك التي تطمح في تحقيقها إلى أولويات كذلك؛ بحيث ترتبها في قائمة أعمالك حسب أهميتها بالنسبة لك.. عليك أن تسأل نفسك دومًا، ماذا أريد أن أحقق في حياتي؟ كيف سأكون بعد سنة أو سنتين؟ ماذا سأفعل غدًا؟ كيف سأستعد لكذا؟
ثانيًا: جداول زمنية
أعتقد أن من أتعس البشر هو من لا يدري ماذا سيفعل في اليوم التالي؛ لأن الإنسان الطبيعي الناجح هو من تكون لديه خطط ليومه، ولليوم التالي، وحتى سنة أو سنتين من عمره؛ وهذا ما جاء الحث عليه في الأثر: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لأُخراك كأنك تموت غدًا"؛ وهذا يعني أن المسلم الصحيح هو من لا ينسى الدنيا في إطار العبادة والفعل للآخرة؛ بل إن المسلم المثالي هو من يستطيع تحقيق التوازن بين النظرة إلى الدنيا كأنها دار زوال، وبين نظرته إليها على أنها دار بقاء وخلود فيخطط لحياته كما لو كان لن يموت أبدًا.
لذلك عليك عزيزي القارئ أن يكون لك قائمة بما هو مطلوب منك في يومك، وأخرى بما تنوي فعله غدًا، وثالثة بما تود تنفيذه خلال هذا الأسبوع، وبما يجب أن تنجره هذا الشهر، وما هي الصورة التي تريد أن تكون عليها بعد سنة.. ومن ثم تضع مدة محددة لكل مهمة عليك القيام بها.
ثالثًا: طريقة التنفيذ
لا يكفي أن نحدد فقط ما نودّ فعله أو ما نتمناه أو نطمح له ونحدد ما يحتاجه من وقت؛ بل علينا بعد كل ذلك أن نحدد خطة التنفيذ؛ فالعمل الأسبوعي الذي تودّ إنجازه وحددت له 20 ساعة لا يصح أن تراكمه على نفسك في يوم واحد، ولا أن تنتظر آخر يوم في الأسبوع لتقوم به؛ بل يجب أن توزع -من خلال خطة التنفيذ- دورك في كل يوم، حتى لو كان مجرد التفكير في شيء ما؛ فلا تتركه في وقت يأتي اعتباطًا؛ بل خصص لكل شيء وقته؛ فذلك أدعى لاحترام الخطوات التنفيذية التي كلما أخذت وقتها جنيت أنت ثمرتها العظيمة مستقبلاً.
رابعًا: ضع وقتك أمام عينيك
علينا أن ندرك أن أفكارنا معرضة للضياع والسرقة، والنسيان والتناسي، والتجاوز من جهتنا أو من جهة بعض الأشخاص إذا لم نحسن تقييدها، ومبادئ تقييد الأفكار والخطط والأوقات تكون بالكتابة.. اكتب كل شيء عن وقتك وخطتك الحالية والمستقبلية، وليس بالضرورة الكتابة التفصيلية؛ بل كتابة تعرف بها مسارك.
يجب أن يكون أمامك باستمرار جدولك اليومي أو الأسبوعي الذي يحدد لك خصوصيات كل يوم، وكل مرحلة من اليوم، والوقت المخصص لساعات الراحة والعمل.. وأن يكون بحوزتك خطتك الشهرية والسنوية التي تعتزم القيام بها، وحبذا لو علقتها في مكان بارز لك، أو وضعتها في حقيبتك أو محفظتك.
وعليك أن تختار لذلك وسيلتك التي ستنظم وقتك بها؛ فقد تناسبك المفكرات أو البطاقات أو الجداول الإلكترونية على حاسوبك.
في الجزء الثاني سنتناول عددًا من المهارات، التي يمكنك بها استغلال وقتك الذي لا تدرك وجوده ولا تنتبه إليه؛ فانتظرونا.
منقولة من بص وطل
0 التعليقات:
إرسال تعليق
* اثبت وجودك ...... شاركنا التعليق ........ تنموا المعلومة وينتفع الجميع .
* ارجوا من السادة المشاركين عدم وضع رد به روابط اعلانية خارجية .
* انتبه الى الفاظك واعلم ان عليك رقيب .
تحياتى م. على حسين الفار