مصنوع من مواد بيئية يمكن تدويرها بالكامل
|
على الرغم من أن عملية تغيير جميع الشوارع طويلة ومكلفة فإن حماية البيئة وضمان حياة أطول للشوارع يبرران التكلفة |
|
كولون (ألمانيا): ماجد الخطيب
خطفت ولاية هامبورغ مجددا الأضواء من بقية الولايات الألمانية في مجال بناء الطرق وقررت تجربة الإسفلت الأخضر لأول مرة في أحد شوارعها. ومعروف أن شارع يونغفيرشتيغ في هامبورغ هو أول شارع في ألمانيا تم رصفه بالإسفلت التقليدي عام 1938، وسيجري رصف 500 متر من شارع بولهورنفيغ في ميناء هامبورغ بالإسفلت «الأخضر» بدءا من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
وجاء بناء أول شارع ورصفه بالإسفلت التقليدي إبان مرحلة الحكم النازي التي عرف فيها هتلر بولعه بمد الطرق السريعة (الأوتوبان) ورصفها، وإلى حد السخرية منه بلقب «هتلر أوتوبان». لم يكتشف أحد وقتذاك أن شبكات الطرق التي مدها هتلر كانت تمهيدا لغزو أوروبا السريع واندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن مد الشارع الجديد بالإسفلت المدور لا يأتي اليوم تحضيرا للحرب وإنما كبشير للسلام ولحماية البيئة وتقليل النفقات وتسهيل النقل بين الدول الأوروبية التي يوحدها اليورو.
والإسفلت الجديد، أسود اللون أيضا، على الرغم من تسميته البيئية بـ«الأخضر»، يمكن تدويره بالكامل تقريبا، ويقتصد بالتالي الكثير من النفقات وتلويث البيئة، سواء عند التحضير أو بعد الاستخدام، كما أنه تمتع بصلابة عالية وعمر مديد، مقارنة بالإسفلت التقليدي، ويعتبر من المواد المقاومة للماء والجليد.
إذ ترك البرد القاسي هذا العام أثرا ملحوظا على شوارع هامبورغ المبتلية، أكثر من غيرها، بالطقس البارد والثلوج؛ لهذا فإن اختبار الإسفلت الجديد في أحد شوارعها يعتبر امتحانا للمادة الجديدة أمام قسوة الشتاء. وقدرت بلدية المدينة الحاجة لتصليح 48% من الشوارع فيها حال انتهاء هذا الشتاء.
ميشائيل أومن، من دائرة بناء الطرق في هامبورغ، الذي يعني اسمه «الفأل»، اعتبر شتاء هذا العام القارس فألا جيدا. وقال: إن شتاء آخر قاسيا سيختبر شارع بولهورنفيغ بشكل جيد؛ لأن الشارع سيرصف بالإسفلت الأخضر في سبتمبر المقبل ليواجه فصل الشتاء المقبل. وسيجري رصف شارع آخر بالمادة الجديدة في مارس (آذار) 2011 ليختبر صمود الإسفلت الأخضر أمام عوامل فصل الصيف.
وقدر أومن تكلفة بناء الطرقات بالإسفلت الأخضر بأقل 30% من تكلفة الرصف بالإسفلت التقليدي، كما أن استخدامه في بناء الطرق الجديدة سيضمن تكلفة 30% أقل مستقبلا عند التصليح والترميم. أما الفائدة الإيكولوجية (البيئية) فعالية جدا؛ لأن الإسفلت الجديد ليس مصنوعا من منتجات النفط الخام ولا يحتوي على الرمل أو المواد المعدنية والأحجار.
وأشار أومن إلى أن عمليات بناء الطرق في هامبورغ تراجعت مؤخرا بسبب انشغال مؤسسة الطرق بترميم وتصليح الشوارع المتضررة. وتخصص دائرته 14 مليون طن من الإسفلت التقليدي لترميم الشوارع، وكل هذا يمكن اختصاره عن طريق استخدام الإسفلت البيئي.
الباحث جيرهارد ريبزيل، المهندس الذي اخترع الإسفلت البيئي، قال إنه عمل 6 سنوات على تطوير المادة الجديدة. ويمكن تدوير الإسفلت القديم المتضرر وتدويره بعد رفعه عن أرضية الشارع بعناية وفصله عن طبقات الحجر والإسمنت التي تحته. تجري بعد ذلك معاملته مع مزيج من الشمع والزيت لتدويره واستخدامه كطبقة تحتية تفصل الأرض عن طبقة الإسفلت الأخضر.
إضافة إلى ذلك، فالإسفلت الأخضر يمرر مياه الأمطار بسهولة إلى أرضية الشارع، وهو يحتوي على مسام تضمن صدور أقل ما يمكن من الضوضاء الناجمة عن احتكاك إطارات السيارات بأرضية الشارع، ويستحق على هذا الأساس لقب «الإسفلت الهامس» أيضا.
وعملت مختبرات دائرة طرقات هامبورغ بجد مع ريبزيل طوال 4 سنوات لإنتاج 12 ألف طن من الإسفلت البيئي كي يجري رصف شارع بولهورنفيغ به. وتم اختباره مختبريا ليس ضد البرد والجليد فحسب، وإنما ضد ثقل الشاحنات الضخمة المحملة بالبضائع.
من ناحيته يؤكد ميشائيل أومن أن نجاح التجربة سيعني البدء برصف جميع شوارع هامبورغ بالإسفلت البيئي. بعدها من المتوقع، آخذين في عين الاعتبار عوامل الاقتصاد بالتكلفة وحماية البيئية، ستمتد الشوارع البيئية إلى جميع المدن الألمانية. كانت ولاية الزار، على الحدود مع فرنسا، أول من طالب بتقليد ولاية هامبورغ وبناء الطرقات فيها بالإسفلت البيئي.
ويبدو أن مشروع «تطبيع» الشوارع والطرقات سيتعدى الحدود الألمانية وصولا إلى أوروبا؛ لأن أومن تحدث عن مشروع لبناء شارع صغير في إنجلترا أيضا بالاتفاق مع شركة ريبزيل ودائرة بناء الطرق في هامبورغ. كما أشار إلى اتفاق جديد مع البرازيل لبناء طريق طوله عدة مئات من الكيلومترات داخل غابات الأمازون، وسيكون المشروع الأخير اختبارا لفاعلية الإسفلت الأخضر في غابات البرازيل الاستوائية.
يُذكر أن نادي السيارات الألماني، الذي ينتمي إليه ملايين الألمان، قدر في دراسة حديثة له أن شتاء 2010 - 2011 سيترك على الشوارع والطرقات الألمانية ثقوبا ومساحات متآكلة يتطلب إصلاحها 25 مليار يورو على الأقل. وللمقارنة مع شتاء 2009 - 2010 فقد بلغت هذه التكلفة نحو 3.5 مليار فقط. وسترتفع التكلفة خلال السنوات المقبلة أيضا لأن ما يجري حتى الآن هو مجرد ترميم للطرق المرصوفة بالإسفلت القديم.
ويعترف أومن بأن عملية تغيير جميع الشوارع طويلة ومكلفة، لكن حماية البيئة وضمان حياة أطول للشارع يبرران التكلفة. فتوظيف 200 مليار لإعادة رصف الشوارع بالإسفلت البيئي أفضل من خسارة 10 مليارات سنويا في ترميم الشوارع المتضررة. وربما أن فصل شتاء قارس مقبل سيسخن «مراجل» الحكومة الألمانية باتجاه اعتماد مشروع لإعادة مد الشوارع تدريجيا بالإسفلت البيئي حتى عام 2020.
وربما ستشهد الطرقات في هامبورغ ثورة علمية وبيئية لو أنه تم فيها مزج الإسفلت البيئي بمادة صنع العلماء السويسريون منها بلاطا حساسا للضغط والحركة.. فالخطوة المقبلة ستكون تزويد الإسفلت بأجهزة استشعار الوزن والضغط لمساعدة شرطة المرور والجمارك على ملاحقة الشاحنات التي يتعدى وزنها الوزن المقرر للشارع. كان العلماء السويسريون من زيوريخ ولنز قد طوروا نوعا خاصا من ألواح الأرضيات يعمل بأجهزة استشعار الوزن لكشف كل ما دب أو يسقط على الأرض. ويمكن استخدام هذه الألواح بمثابة جهاز إنذار مبكر في المستشفيات ودور العجزة لتحذير أطباء الخفر عند سقوط أحد المرضى أو المسنين أو عند مرور حيوان أو حشرة ما. كما يمكن أن يستخدم في البنوك والقاعات المحظورة للكشف عن اللصوص والمتسللين. ويمكن استخدامه في جميع الأرضيات، مثل الشوارع، بهدف ملاحقة المهربين وكشف أوزان السيارات وحمولاتها.
وحسب مجلة «ناشيونال جيوغرافي» الألمانية، التي نشرت الخبر، فإن علماء شركة «ADA» السويسرية زودوا هذه الأرضيات بمجسات تلاحق حركة الإنسان والأشياء على مختلف السطوح، الأمر الذي يجعلها صالحة الاستخدام في مختلف المناطق وليس على الأرض فقط.
وبلاط الأرض الجديد مزود برقائق بلاستيكية مشحونة بكهربائية خفيفة تشغل مجسات الوزن «المنمنمة» داخلها وتنقل كل ما «تستشعره» إلى كومبيوتر يسجل الوزن ويشغل كاميرا مراقبة ما. كما يؤدي مشي أو سقوط جسم ما على الأرض إلى إطلاق جرس إنذار في غرفة الطبيب أو في قمرة الحراسة.
جريدة الشرق الاوسط